الأحد، 16 سبتمبر 2012

خربشات نار أخرى

      (1)  
  إلى مجهول : 

ما يتراكم على جدار قلبي يشبه الورق، كثيراً ما سقطنا كندى على الورد، كثيراً ما غفينا، حلمنا، صلينا، قليلاً ما افترقنا.
ما عاد للصمت قشرة ولع تؤنسه، تؤرقه، من أين أتينا بكل هذا البؤس ؟
هل صادفتك مرة قبل لقاءنا الأول؛ لأنني زينتك كما فرحة معهودة،
 قل لي هل القلوب المحايدة تلك هي التي تدعوك حقيقة ؟ هي التي سافرت إلى جمهوريتي بلا أمتعة، حقائب، تأشيرة دخول .
سأسألك أخيراً، من أنت ؟


(2) إلى سبب الأرق : 

لا نختلف عنهم، سوى أننا نبدو قليلاً كما شعلة ريح، أرانا أضعنا عامين في النعاس، بينما أراهم قد احترفوا الأحلام، يا عمر ولدَ من الوجعِ، هل زادت أيامك بعدّك لكرسي شيخ البحر ؟
خفتهُ كثيراً، لا لا، لا أعني شيخ البحر، بل وجعك و الأحلام.
أظنني أعاني من الأرق كثيراً، أشرب كثيراً من الأعشاب، أقيم حفلة سكون، أراقب الموتى يحاصرون بصمت، لكني أنسى صورتك تحت وسادتي، فتغلبني الصحوة، مزقت الصورة لكنني أصبحت أرى نفسي كثيراً في الكوابيس .

 (3) 
إلى قصيدة، و جارة، و هو:
ندغدغ صفحة القصيدة، كما بسمة سقطت عن شفاه جنازة، كل العواصم تسقط، و لكن قريتي لا تزال تنتظر أن يجف حبل الغسيل المعلق على حبل سطحها – الذي يعتبر سطحنا أيضاً حيث أن المسافة بينهما لا تتعدى بعض السنتيمترات،
كل خريف يهبُ الريح، يجفف قليلاً من الملابس، يتجسس على سطحنا، يطيّر ريش الحمام، يصفعني كما دمية و ينتهي، فيرحل.
مرت أعوام،
الغسيل مازال معلق، و جارتنا تحضر العشاء لزوجها
و أنا أنتظر أن تكف أنت و القصيدة عن الضحك !


    (4)
 إلى أمي، أو إلى قلب ::::
أبحثُ عن شيء ما؛ ليصفعني كما فطائرك اللذيذة أمي، هلا قدمتِ لي الحياة لأخطو على المقبرة كما مراهقة واثقة من قصة شعرها الأخيرة.
أزعجني الظل، أحدهم قد نحتي وجهي يا أمي، مع أنني خبأتهُ في عيناكِ !
يا أمي ارشقيني بالعنبر لعلني أتصالح مع قلبي قليلاً،  أينما ذهبت تبقى عيناي تثير الجميع، و تكون محطة إلهام لكتابة نص ما .
لحسن حظ الخرافات أنني كنت أشرب المانجو حينها، و نسيتُ موعد المقهى للحديث حول دور البطولة .


 (5) إلى ليلي :
الليل، ليل ليلى و المجنون،  لكن أختي الصغيرة – التي لم تولد بعد – قلبت مجرى الأغنية؛ لتجعله هو الليل و أنا المجنونة.
يا قصة تولد من جديد، هل كنا صغاراً عندما تركنا الهوى نحن و قدر ؟
يا قمر، هلا أعرتني نسخة أخرى من الليل، لعلني أمارس معه مهنة الاحتراف بصمت، فأرتاح.
البارحة كان يومي بلا ليل، لأنني لم أكن ناعسة .


الأربعاء، 29 أغسطس 2012

رفقة السلام


(1)
أربكتني آخر انحناءة  لها، كانت كنسمة باردة تضيع بين حنايا الياسمين، كانت في غرفتها، و أنا أتلصص عليها من المسافة القليلة التي تركتها مفتوحة من الباب، رأيتها تتيه في وجهها المنعكس في تفاصيل المرآة، بعد قليل وقفت بجانب الشرفة بطريقة مجعدة، بعد بضع ثوان لم تستطع عيناي التقاطها، لكنني سمعت صوت ارتطام شيء ما بالأرض ذكرني بصوت منطاد سقط من علو شاهق في إحدى مهرجانات المدينة .
بعد ذلك لم أتذكر ما حدث عدا أنني استيقظت من النوم فزعة،
فكل ما في الأمر عملية " انتحار" .

(2)
يا صديقتي هل تتذكرين عندما كان على ناصية الطريق المؤدي إلى باب مدرستنا القديمة " بائع بوظة "، كنا نذهب لنشتريها بثوب الضفادع – ثوب مدرستي القديمة- معبئين بكثير من المشاغبة، كنا نمشي بطريقة مضحكة كما رأينا بينكيو يفعل في إحدى أفلام الكرتون، كنا نتمنى لو أن الكمية التي نشتريها بلا نهاية، كنا نتسخ دائماً، الفم فالأيدي فالثوب .
أتتذكرين كيف كان يتقاطر من البوظة الكثير على الأرض ؟
 أتتذكرين آخر بقعة كم كانت كبيرة ؟
البارحة يا صديقتي كنت أمشي مصادفة في ذاك الشارع، البقعة قد جفت تماماُ،
لكن لا أدري من جف أكثر، بقعة البوظة، أم الحب في قلبينا ؟

(3)
أشتاقك دوماً، كما الماء البارد في زمن العطشى، دائماً أتشاجر معك حتى أنني بتُ لا أتذكر متى آخر مرة ساد الصفاء بيننا قليلاً  !
في غيابك الأخير طفح الكيل من أفعالك، لدرجة أنني لم أكن أدري ماذا سأفعل حين اللقاء !
هل أصفعك لأنهي حساباتي معكِ ؟ أم أرقص معكِ بمناسبة عرس لقاءنا بعد الغياب ؟
دمتِ من أود صفعها و الرقص معها دوماً .

(4)
لا تتكلمين عن الموت  في قصائدك، و كأنك تخافين أن تقتلك حياة النص !
تدافعين عن الفصيلة الجديدة من جحود المنفى، و كأن الحرية المصباح الحياة و ليست ظلها !
وجعي أصبح يلهمك جداً، و لكن آه المواويل المصابة بالترح تكرهني !
ولدت قصيدتنا من جديد، فأعلنوا الدموع و لا تخشوا المكيدة .

الأحد، 22 يوليو 2012

مشاهد من مدينة


(1)
المشهد الأول :  كعب امرأة …
كانت أشعة الشمس الرومانية تخترق حواف الأسطورة بوقعٍ رتيبٍ، و تنعكس في عيني الراحل كخربشات، إذا جمعت ستكون لمن فطن المعرفةَ صورةَ امرأةٍ إغريقيةَ الجمالِ، أذابت مفتاح النهر الرخامي في كحلها الرصين، في آخر مرة كانت قد رأت فيها شجرة السرو، كانت ترتدي قبعةً مغطاةً بالفرو الذهبي و تتبخترُ على الجسر بكبرياء فكُسرَ كعبُ حذاءها الجلدي، فتركت جمالها لقاموس الراحلين و لم تعد لمدينة العراقيل مرة أخرى.

(2)
المشهد الثاني : الصبيُّ و القروش الثلاثة ...
كان طفلًا صغيرًا، يمتلك أنصافَ الأسرارِ، بريئًا جدًا، جلس القرفصاء على سجادةِ صالةِ البيتِ الهرمة، و عندما عاد والده للمنزل؛ قفزَ على أحضانهِ كأرنبِ بلاد العجائب، أخبره بأنه يود ثلاثة قروشٍ؛ لشراءِ لعبةٍ أحبها لمحها عند أحد الباعةِ و هو عائدُ من مدرسته، فأجاب والده بأنه نشر القروشَ على السطحِ و طلب منه الانتظار حتى تجف ليأخذها، لكن بعد بضعةِ أيامٍ تركوا المنزلَ بحجة الوالد، التي تقول:" التضحية يا بني"، و عند انتقالهم للبيتِ الجديدِ القديمِ، كان الصبي غاضبًا جدًا من والده، ليس لأنه أحضرهم إلى بيتٍ قبيحٍ،و لا لأنه منعه من إحضارِ جميعِ ملابسهِ، و لا لأنه أعطى الكثير من أثاثِ منزلهم السابق لرجل سيء المنظر مقابل القليل من المال، بل لأنه ترك القروش الثلاثة معلقةً على سطح المنزل و لم يعطه إياهم.

(3)
المشهد الثالث: حُلِي العروس
كانت فرحة جدًا في سهرتها التي قبل العرس، تراقصت الفتيات الحسناوات من حولها، زرعن في قلبها شمسَ البيتِ الجديدِ الذي كانت ستعانقه غدًا، كن يتمايلن وجهة الناي على أغنية الغياب، أخذنها لتشاركهم اللوحة أحيانًا، و لكنها حرصت ألا تتعب نفسها.
في الصباح كانت تضع طوقًا من الياسمين على شعرها المنسدل، كانت جميلة جدًا بالأبيض، كانت تشبه شيئًا ما، ربما ندى...، و ضعت قليلًا من المساحيق، لبست حذاءها، لكنها اكتشفت بعد ذلك أن أحدهم سرق حُلِيها!
لم تنزعج لأنها أمضت ليلة زفافها بلا ذهب، بل لأن في الليلة نفسها كان هناك فتاة أخرى على الضفة الغربية من المدينة، تزف إلى عريسها مرتدية الحلي المسروقة.


(4)
المشهد الرابع :
قفصُ حمامٍ ...
لخصَ الذكرياتِ بوردٍ أبيضِ اللونِ، و لكنه لم يتذكر الغناءَ أبداً!، خوفاً من انقلابِ الأحداثِ إلى جمهورٍ لا يعرفُ الرحمة، فترك الأرواحَ تمارس الصمت مع السماءِ كما تشاء، فالكمنجةُ  تداعبُ أناملَ الريحِ دوماً قبيل العصرِ بقليل، و العصر لا يفك أسر الحمام مرتين .


(5)
المشهد الخامس :
هي و هو ..
انعكست الرصافةُ  بداخلها كثيرًا، لكنها كانت على وشك الاختناق، نفضت كل الأرائك، و ساعدت العنكبوتَ على بناء بيتٍ له في زوايا بيتها المظلم، و من ثم قامت بتحضيرِ بطاقاتٍ مزينةٍ لدعوة قبيلة العناكب لافتتاح المنزل الجديد. 
أما هو عاد ليكلم الجدار ذاته، كم من الأفواه يحتاج من عالم الثرثرة ليتكلم كلَّ هذا الكلام!
أصيبت اللغة بمرض الغيظ، و انتظر هو القدر ليكتم أنفاس ريحانه، و ليطرق جرس بيت العناكب الجديد .

(6)
المشهد السادس: رسالةٌ من مراهقةٍ إلى المدينة
يا  مدينة، ليس أصلي منكِ، أشعر كأنني رضيعٌ لم يذق حليب أمه، فضله جوعهُ إليك،
 إلى حليبكِ، إلى حبكِ، فيا لتعاسته كم سيشقى!
حبُك يعني أن يكون هناك فتاةٌ شرقيةٌ الجمالِ و النكهةِ لها غمازاتٌ في كلتا وجنتيها و صفاتها كتلك التي تُذكر في الأغاني اللبنانية، وليدة توأمٍ يدعى الوجع، و حبك يعني أن يحضرَ الجائعُ مجلسًا كل من فيه متأففون من الشبع.
أأنا منكِ أم أنتِ مني؟،  أمسيت أتمنى الموتَ كل يومٍ من السماءِ، و أطلبُ من عمريَ أن يختصر في ساعاته؛ كي لا أحيا يومًا آخر و أخدش نفسي بحبكِ أكثر.
القلب أضحى لا يخاف، أصبح يعلن حبَك عليّ كل حين، أنتِ لا تحيين بموتنا، بل بحياتنا تحيين.

(7)
المشهد السابع:  أنا و المدينة و الصوف ...
أخبرتها بأنني أمضيت طيلةَ عمري و أنا أغزلُ لها الصوف، و لكنها صفعتني بإجابةٍ، قالت لي فيها، بأنها لم تشعر بالدفءِ طيلةَ حياتها،و لكن عند الرحيل كان هناك غيمةٌ من صوفٍ تدفئُ بردَ الرحيلِ من المدينة .
(8)
المشهد الثامن: رئيس البلاد
كان رئيسُ البلادِ جالسًا يرى كل المشاهدِ السابقةِ مع بعضها البعض، يرى تفاصيلَ مدينةٍ في مشهدٍ مثير للبكاء، يراها دون أن يتنحى عن منصبه، أو يغيرَ الدستور، أو يسن قانونًا جديدًا يحكم بإعدامِ كل من يولد بحبِ تلك المدينة، أو يفرض منعَ التجوالِ، أو يعلن الحدادَ ثلاثةَ أيام!
بل أنه وقف فقط احترامًا لشهداءِ المدينة، و الأحياء منها، و محبيها، و لكل روحٍ مرت بها.

الخميس، 17 نوفمبر 2011

مشاكل التعليم تطورت إلى الأسوأ أكثر مما كنا نتوقع !

كالعادة، ننظر إلى الأمور و نتحسر، لا نتكلم، و وجود الحياة في روحنا لا يجدي نفعاً في الحديث ! ،

إذا ذكر أحدهم مشاكل التعليم عندنا في غزة لا يسعني إلا أن أقول : " تبًاً "

هذه الكلمة التي تعبر عن الموقف بشكلٍ أو بآخر، أخيراً اقتنعتُ بأن" احتلال، مشاكل سياسية، مشاكل تعليم " يربطهم حبل ، فالاحتلال يولد المشاكل السياسية و المشاكل السياسية و أحزابها تولد " مشكلةُ التعليم " ..

أنا كطالبة و كفلسطينية أصرح بأن 70 % من هذهِ المشاكل لا دخل للاحتلال فيها،

ربما علينا أن نتوقف عندما بعض المحطات التي تجعل التعليم عندنا تحت الصفر، بل أكثر من تحت الصفر،

أ‌- المنهاج الفلسطيني : إنه من أصعب المناهج في العالم، حيثُ يجب على الطالب أن يدرسَ ليلَ نهار ؛ لكي يحصل على الدرجات العالية و المتفوقة، و هذا ينعكس سلبياً على نشاطاته التي لا علاقة بالمدرسة فيها، مثل : ممارسة الهوايات، تعلم اللغات الأخرى، استكشاف المواهب، التنزه، و التعرف على العالم الآخر ، و بذلكَ لا ترقى ثمار المجتمع فتندرج دولتنا ضمن إطار" الدول النامية " ، فالبلدان المتقدمة مناهجها سهلة ، ويفهم الطالب الذي يدرس في مدارس هذه البلدان ، أن الحياة ليست فقط قضية " المدرسة " و يتعرف على جميع الجوانب الحياتية المهمة ، و يتعلم أشياء خارج المدرسة، تضمن لهُ مستقبلاً و وظيفةً، أظن بأنه لا علاقة للاحتلال بصعوبة المنهاج هنا ..

ب‌- طرق التعليم : من أين عليّ أن أبدأ هنا ؟، تبدو هذهِ النقطة كالشعاع الذي يُعَرف بــأنه :"خط مستقيم ليس له بداية و لا نهاية" ، و هكذا مشكلة طرق التعليم، هناك الكثير من الأمور التي تجعل من هذه المشكلة شبكة عنكبوتية ، فتنظيم الجدول الدراسي مثلاً، في الصف السابع و الثامن كان عندي تقريباً 4 أيام في الأسبوع توجد فيها 4 حصص متتالية مواد أساسية، والسؤال هنا كيف يمكن للطالب أن يستوعب الكم الهائل من هذه المعلومات التي تعتمد على الفهم و الشرح ؟

على سبيل المثال يكون جدول الحصص : درس قواعد لغة عربية، ثم درس رياضيات، ثم درس محادثات لغة إنجليزية، ثم درس في وحدة الأحياء في العلوم، ثم يأتي درس تاريخ مثلاً ...، هل عقول الطلبة آلات حاسبة، أم أجهزة إلكترونية، أم ماذا؟ ، أم هذا ليس تعليم بل تجهيل؟، في الدول المتقدمة يوضع الجدول بعد أن يدرس جيداً ، في الحصة الأولى لا توضع مادة صعبة لأن الطالب لن يكون في تركيز تام، في الحصة الثانية توضع مادة صعبة، ثم مادة متوسطة الصعوبة، بعدها مادة سهلة،و بعدها مادة صعبة، و هكذا، و أيضاً على المعلم أن يقوم بتحضير الدروس قبل دخول الحصة، ويحضر معهُ بعض الوسائل التعليمية، و المعلومات الخارجية، و ينظم وقتْ الحصة، و أن توفر الوزارة الكريمة بعض الأموال لهذهِ الأشياء، لا أريد تعقيباً على ما أقول كهذا يقول : " لا يوجد أموال عند الوزارة"،

يدخل للتربية و التعليم العديد من الأموال لمساعدة التعليم في غزة، لكن يبدو بأن هذهِ الأموال تدخل لمساعدة الوزارة على ترميم شكلها الخارجي و توفير المكاتب المريحة و المكيفات و الرواتب... إلخ، و إذا جاء شيء للمدارس، للأسف لا يوزع على الطلبة بل يبقى عند إدارة المدرسة – هذه صورة مقربة من الواقع-، أحياناً يوزع على الطلبة، لكن أحياناً لا يوزع إلا على آوائل الطلبة و يبقى الباقي أيضاً عند الإدارة، و أحياناً علينا أن نشتري هذهِ الأشياء رغماً عن أنفنا، مثل : دليل الطالب لعمل البحث العلمي، كان علينا أن ندفع شيكل، و البعض اعترض و قال أنه لا يريد و يبدو بأنهم تراجعوا عن هذا القرار ^_^ ،و في بعض المدارس، يستخدم المعلمون ألذ أنواع الكلام لتوبيخ الطلاب، و يستعمل الضرب أيضاً،

بعد قصة إضراب المعلمين، جاء العديد من المعلمين الذين لا يملكون الخبرة !، هذه النقطة أيضاً لا علاقة للاحتلال فيها ..

ت‌- العلاقة بين الطالب و المعلم : يوجد العديد من العلاقات التي تكون بين الطالب و المعلم تبنى على مبدأ الخوف لا الاحترام، حيث يخاف الطالب من المعلم لكن لا يحترمه، و يذكره بألفاظ لا تليق بمكانته التي مجدها الإسلام له والمجتمع ، و بالطبع سيدرس الطالب و يحل الواجبات بغرض الخوف لا التعلم، و أيضاً هناك مشكلة جديدة هي تدخل المدرسة في حياة الطالب الشخصية التي لا تمت للمدرسة بصلة !، حيث تتدخل المعلمات في مدارس الفتيات بحياتهن في البيوت و تسألهن ماذا يلبسن و ماذا يشاهدن على التلفاز، و الكثير من الأشياء التي لا تُذكر صراحةً !،

أيضاً طرق تعامل إدارة المدرسة مع الفتيات، لدي مثال أفحمني عندما حصل مع صديقتي في الفصل، كانت تعاني من مرض في التنفس، و الكثير من المرات كانت تختنق في الحصص، و تذهب إلى البيت، تقريباً في المرة الرابعة عندما حصل معها هذا الشيء، اتهمتها الإدارة بأنها تمثل لكي تخرج من الحصص و تلهو كما يحلو لها، و قالوا لها : "قولي لنا بأنك لا تريدين الحصص و سوف نخرجك منها لكن لا تمثلي كل يوم هذه المسرحية " لا تعليق على معاملة كهذهِ ...، فأيضاً لا علاقة للاحتلال بهذا !!

إلى متى سنبقى هكذا،!

تباً لــ هكذا تعليم، إنه ليس تعليم، بل تجهيل، محاولات تجهيل على مستوى عالٍ من الخبرة و الجودة،

مشاكل تختنق و تصارعُ بعضها بعضاً، و تتراجع فلسطين إلى الوراء كل يوم أكثر فأكثر فأكثر،

هل سنبقى هكذا حتى نصبح رماد سيجار ؟

نحن نحتل أنفسنا قبل أن يحتلنا الاحتلال، أصبحنا نريحه كثيراً،

مواطنون في علبة سردينة، كان تعليق أحدهم على كلامي هذا عندما أخبرته !!

أحقاً وصلنا إلى مرحلة، أن نكون سردينة للأكل، نعيشُ في علبة ؟؟

أحقاً حقارة الرؤوس المهمة في الدولة، جذبتنا إلى هنا ؟؟

أأصبحنا شخصيات تبحثُ عن مؤلف ؟؟

الخميس، 25 أغسطس 2011

الأمُ الأُخرى












هذا كان نتاج إحدى الأنشطة في أيام أدبية 2011، حيثُ كان علينا أن نكتب قصة عن مشهد وصفوه

الأُمُ الاُخرى ...

همساتٌ في النهار تقول : " أشعر بأن الطفل الذي سيولد قد يموت ! "

الرد : " عزيزتي لا تقلقي، سيكون كل شيء جيداً "

همسةٌ أخرى : " كيف سنعيش أنا و أنت بعد موت الطفل "

صمت ..

في الليل ..

معركةٌ إنسانية ، الجو ماطرٌ عاصفٌ ، عشبٌ يجفُ من الحريقِ، صوتٌ حريريٌ يرتفع بحنجرةٍ تبتكرُ الآهات، آتى الطلقُ لامرأةٍ في ليلةٍ يرعاها الجحيمُ، تصارعها ريحٌ حزينة تدخلُ من اللاشباك بعنفٍ، يقفُ بجانبها رجلٌ بظهرٍ مقوس، في وجههِ ذاكرةٌ عميقة توحي بأنهُ كان فاشلاً في حظِ الحياة، جفونه غارقة في صبغةِ العرقِ،

أخذَ الوليدُ أنفاسهُ بينما أمهُ كانتْ تتجرعُ عصيرَ الموتِ بآخر أنفاسها،

حدقَ الشيخُ في الوليد !

فكر : " هذا ابني الذي يصغرني خمسٌ و خمسينَ سنة ! "

حدقَ فيه أكثر لا يدري ما يفعل، فعلاً فكلُ ما في الأمرِ أن هناكَ امرأةٌ في الثلاثين من عمرها ماتت تاركةً بقربها طفلاً رضيعاً، و الأب رجلٌ عجوزٌ هرم لا يستطيع فعلَ أي شيء،

و يغطي هذا الينبوع الحزين كوخ خشبيّ كبير السن عديم الصحةِ، و الفضاءُ المحيط " غابةٌ لا يرتادها الصيادون إلا ظهراً "

سالت حبتا عجزٍ على وجنتي العجوز ..

و معهُ بكى الوليد، بكى بكاءً جميلاً حزيناً، لو عزفه بيتهوفن لتمجد ! لكن للأسف من عَزفهُ شخصٌ بائس

العجوز مازال عاجزاً أمام الطفل، الذي لمعتهُ الحياة بمنخلِ التعبِ على أن يشبه أمه،

قتلت الحياةُ نور العجوز، و رمتهُ وراء الليل الذي ليس لهُ نهاية،

العجوز انفجر، أراد أن يبقي هذا الطفل على قيدِ الحياة، حمله و أخذ يركض بهِ إلى النور الذي يشعُ من المدينةِ،

العاصفةُ مقطوعةٌ صاخبةٌ، و مع ذلك أخذ يجري بهِ من نهرٍ عتيقٍ إلى بحيرةٍ أجدد و رملُ الأمل يجري معهما،

يركضُ و يأمل بأن يجدَ لهُ أماً، مالاً، شراباً، طعاماً، حتى أنهُ لم يكن يدري ما يريد !

بدأ العجوز يتعب و يرى الدنيا ظلاماً دامساً، ارتمى رميةَ الموتى همسَ شيئاً في أذن الطفل،

ثم ابتسم شكراً للحياة.. و قبلها بنظرةِ الوداع،

في اليوم الثاني كانَ الجو ربيعياً ، وجد أحد المارين بالغابة الطفل و أخذه و رباه كأحدِ أولاده،

كانت الأسرة التي تربى فيها الطفل جيدةَ الحال، كان يظنهم أهله كما من المفترضِ أن يفهم،

لكنهُ كانَ حزيناً، حزيناً في كل شيء لا يدري من أي باب عليهِ أن يدخل البسمة،

حتى أن روايتهُ المفضلة كانت : " أوليفر تويست "

و كأنهُ يرتبطُ روحانياً ببؤسِ والديهِ الحقيقيين !

جلسَ يوماً ينظرُ إلى شلالٍ من الماء، و أخذَ يتذكر عبارةً تسببُ حزنه :

" يا بني، من أي عطشٍ ولدت، لا تجعل هذهِ الليلة البائسة الأم الأخرى لك "

لكنَ هذا الطفل كان يملكُ حزناً غريباً أسطورياً ترقى إلى مرتبةِ الحقيقةِ،

يبدو بأن تلكَ الليلة هي الأم الأخرى له ..

النهاية ...

الأحد، 21 أغسطس 2011

يا ليلي













يا ليلي أعرني من لوز أسرارك زيتاً لفرنِ حارتي، ذلكَ الفرن الذي حرقَ كعكَ اللقاءِ الأولِ

يا ليلي القمر ليس عالياً اليوم ، فما القصة ؟ هذا الصفير المجهول يجعلني عاجزةً عن قراءةِ أفكاري نفسها

يا ليلي يا تاجر أسرار الأبديةِ، يا مخبأَ الأنفس الباكية هناكَ ثمة رائحة مألوفة، أهي خاتمة القصيدةِ التي كتبتها نجماتُ قاموسِ السماءِ – ألا تدري بأن السماء لغة !

يا ليلي أسدل ستائرك و أنهي المشهد المسرحي الذي أنا البطلة فيه، لكن أخبرني أولاً من أي باب عليّ أن أدخلَ الكواليس ؟

يا ليلي يبقى لنا أملاً في سلالةِ تذكرنا فنقفُ قربَ النافذةِ و نحلمُ بذلكَ، يقطعنا صوتٌ خشن : " هل نظفتم إسطبلات الخيلِ ؟ " ، قلتُ لكَ اقتلني و أنهي الأمر .. هيا افعل ذلكَ

يا ليلي يا ليلَ لوحاتِ الابتسامات الساهرةِ على قهوةٍ و معركةٍ دماغيةٍ غريبةٍ، يا ليلي تعرفُ كم أشعرُ بالغيرةِ حينما يسهرُ فيكَ أحدٌ غيري، اسكبْ عليهم نحتَ النعاسِ، و دعني أكَسِبُكَ رضاي

يا ليلي يا ليلَ أوتارِ الفضاءِ المجنون افرد عليّ نسماتكَ التي لا تعد، أحان وقتُ بوحِ الغزلِ

يا ليلي لم أنكر بأنكَ تستطيعَ جمعَ آثارَ أقدامي عندما أمشي في مدينتي، لكن ما لم أفهمهُ بعد هو أنكَ كيف جمعتَ آثارَ أقدامي عندما مشيتُ في خيالي، يا لكَ من عجيب !

يا ليلي رذاذُ عطركَ تدفقَ في حارتي و أيقظَ الجميع ، و قامَ بإحداثِ ضجةٍ خرافيةٍ أثارت رقصة الأنوف ، هل تسمحَ لي بأن أقولَ لك بأنكَ تنشفُ رعبي ، لا أعلم إن كانت عمليةَ التنشيف هذهِ تقضي عليه أم تجعلهُ ثائراً

يا ليلي لما تركتَ الفلاسفةَ يسكبون الفلسفةَ على قبرِ سقراط، أم هذهِ مؤامرة بريئة نافرة ؟، جوعُ المعرفةِ يبني لحيةً تخضلُ بالأمنياتِ

يا ليلي الخيالُ يغزلُ الخيالَ نحنُ لا نفطنُ بأننا كلنا محاورٌ لهذا العالم، و لا نعرفهم جميعاً و لا نعرف من يولد كل دقيقةٍ، لكن المحاور التي نعرفها جيداً هي محاورُ عالم خيالنا .. ربما هو عالمنا المفضل، مع أن البعض لا يملكونَ هذا العالم البريء .

يا ليلي يا روح الهدوء البائس، يا روح الأنفس التي تهربُ إلى السكون الكبير، صبَ من فضلكَ حبكَ الدافئ في بردِ قلبي يا بطلَ الارتدادِ الذي أنحازُ إليهِ

يا ليلي يا ليلَ الناياتِ الوردية، ذات النغماتِ المنظمةِ الفوضوية، ٍ زرعتَ أحلامها في داري و أخذتَ بدالها كوابيس العقل المنهار

يا مزاجي العبقري الليلي سأصابُ بالجنونِ من بعدكَ أتبادلُ التهم مع نفسي يا ليلي، إن كنتُ أحبكَ لأنكَ ليلٌ أم لأنكَ ليلُ وطني ؟

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

بَائعةُ السُكَرِ





بين أعمدةِ الفلسفةِ و نوايا الفراقِ ، لا زلتُ أتذكرُ جيداً كم احتضنتُ قلبها في صَدري ، كانتْ صديقتي الغَالية سارة ..

في جبينها تزرعُ أُغنيات ناعمة ، ينْفضها العَندليب ، و يلتقطُ نضجَ التفاحةِ فيها ، و يحفرُ قناديلَ الحبِ ، و يوزعُ رائحة البنفسج و يتركُ لصوتِ حفيفها الصَدى ، و يدعمها بِالإرباكِ .

لا ينتزعُ من ذاكرتي ذَلك الشَهر الذي التقيتُ فيهِ بسارة

كنا مع بعضنا في الكليةِ نَفسها ، لكن كلاً منا كان في قسمٍ مُخْتَلفٍ ، كان الأمرُ صعباً عليّ في البداية حيثُ تركتُ عائلتي الجَوهرية لكنني نسيتُ هذا بقربِ سارة ، كان قربها يُزكي رائحةََ الحياةِ و غناءَ الورد بِروحي .

بنزهةٍ ما خُرافية تبدلَ كل شيء

كان عليّ أن أقبلَ الدُخول إلى كوخِ بائعةِ السكرِ – طبعاً كان أقلَ من ذلك فشكله الخارجي يشبهُ إسطبلاتِ الخيلِ التي لم تنظفْ منذُ أعوامٍ و أعوام .

.

كانتْ تبيعُ السُكر و كَأنهُ شيءٌ مُقدَسٌ .

منهُ تصنعُ التماثيل ، و كل هذا بدا كَالسِحرِ ، سارة قُتلتْ من ذلك و دهشتْ و انبهرتْ ، أما أنا فدخلَ الشكُ حوافَ كمَنجتي فَسرتُ ذلك في بدايةِ الأمرِ بكرهي للسكر – أحبُ المِلح .

لكن يثير المكانُ رقصةَ اهْتمامي ؛ لأنني أخذتٌ أحللُ نظرات بائعةِ السكرِ المَعْتوهة ، كانَ بيْتها مليئاً بشوائبِ السكرِ

،

سكرٌ و سكرٌ و سكر ، و حتى وجهها كانتْ تلمع فيه بَعض الحَبات !

كانَ يبدو عليها خَبيثة تضعُ سماً في كلِ نظرةٍ للبشرِ ، بها تخدشُ روحهم و تعانق نقطة الشيطانِ لدى الناسِ بالقلبِ ،

وقفتُ في محطةِ شرودٍ كان فيها وجهها ، كانَ خبيثاَ ، مجعداً ، مليئاً بالحثالةِ ، و كأنها أعدمَتََْ للتو العديد منَ الأبرياءِ !

يداها سُكَرِيتان ، و أزرار بشرتِها تصعقُ السَكينةَ .

ثم بدتْ لي كأفضلِ ممثِلة حينما بدأتْ سارة تسألها بعض الأسئلةِ ، لا أتذكرها جيداً سوى أنها لا تتعلقْ إلا بحياتِها الشخصيةِ ، تحدثوا عن أشياءَ تافهةَ بالنسبةِ لي .

لم يَنقص لبائعةِ السكرِ أنْ تَقول لسارة : " كم عدداً من ملاعقِ الصلصةِ تضَعين للمَعكرونةِ "

قلقتُ منْ اندماجِ سارة معها ، و من تلكَ النظراتِ الدراميةِ التي كانتْ ترتديها بائعةُ السكرِ .

كانتْ منقوعةَ في أقذَرِ الحفرِ ، و مدفونٌ بِداخلها تعويذاتِ القُبور الشَاقة ، كانتْ نظرات مُغَطية بِسقفٍ مُشوش .

خرجتُ من تَخَيلاتي ..

و صرختْ : " هل ستموتين هنا يا سارة ، لقد مللتُ ؟ "

بِنفسِ شدةِ الصوتِ أجابتْ عليّ : " إنني أتحثُ مع البائعة ، لماذا أنتِ غاضبة ؟ "

صحتْ : " و لماذا أنتِ مُندمجة ؟ "

غضبتْ سارة و أعطتْ المرأة النُقود و أخذََتْ ما أكره و خَرجنا ، هدأْتُ من عصبيتي و سألتُها :

" لماذا تحدثتِ مَعها تبدو شريرةً ، بل غبية ، إنها مجْنونة ، و بالطبعِ انْجَذبتِ بِالحَديثِ معَها "

قالتْ بحزمٍ و غضبٍ " لا تقولي عَنها شيئاً كهذا ، أفهمتِ ؟ ، ليسَتْ مُشكِلتي إذا كنتِ تفهمينَ الناسَ خَطأ "

قررتُ الصمتَ ؛ لأنني غضبتُ مما قالتهُ و من طريقةِ الدفاعِ عن تلك المَرأة .

ما لمْ أكنْ أعرِفهُ و عَرفتهُ بمَحضِ المُصَادفةِ هوَ أن سارة كانتْ تذهبُ إلى هُناك كلَ يَوم ، لمْ أُبالي بالأمرِ كثيراً خِشْيةَ موتَ صداقةٍ مُحْتَمَل .

كَان هُناك رمزُ تيهٍ مُهمش في المدينةِ بالشَائِعاتِ يقولُ :

" كلَ منْ أكلَ من سكرِ تلك البائعةِ ماتَ و تحولَ إلى سكر "

خفتُ منْ هَذا الكَلام و لولا إيمَانِي زَالَ الخَوفُ ، و لكنني قَرَرتُ التحدثَ معْ سارة حَولَ موضوعِ تلكَ المرأة في ليلةٍ ما ، و جاءَتْ هَذهِ الليلةِ ، كانَ الظلامُ يشقُ روحهُ و يغلقُ دربَ النَازحينَ إليهِ ، و كانَ في السماءِ نجماً قرْمزياً أشارَ لي حَدسي بأنهُ سَيُنزل لعنةَ أحدٍ عَلينا ، جاءَتْ سارة شاحبةً ، جَبينها كانَ قَدْ فَقَدَ كلَ مُمَيزاتهِ ، و كانَ خَلفَهَا ظلاً ليسَ لجَسَدِها ، يشعرُ بصداعِ الأبَديةِ ، و في زقاقِ وجهها تُرسمُ دَمعةً باكيةً ..

سَألتُها بِلَهفةٍ : " ما بكِ ؟ "

أجابَتْ : " سَأموتُ على يدِ بائعةِ السكرِ ، أُمِي "

صُعِقْتُ ، نفضتُ سوادَ الرؤيةِ عن عَيني و رددتُ بخوفٍ و بضَعفٍ لمْ أشْعُرْ بهما منْ قَبْل :

" هل تُصَدقينَ السحرةَ ؟! ، و هل قلتِ أمكِ ؟ ، أَجَل بصوتٍ لمْ أسمَعْ فيهِ كهذهِ الرَعشةَ منْ قَبْل :

" كانتْ أمِي و كنا عَائلةًَ ، و كانَ لنا بيتاً دافِئاً رغمَ كل شيءٍ مرٌ مذاقهُ شربناهُ سوياً ، قلةَ مالَ أبي ، و مرضَ أخِي - رحمةُ اللهِ عَليه – و موته ، بقينا نحنُ الثَلاثة ، و عُمِرَ البيتَ بضَحِكاتٍ مُلونةٍ ، كانَ الربيعُ يَنزفُ مُفرداتِ الأرضِ الدَافئةِ علينا ، و في يومٍ ما جاءَ وقتُ المحرقةَ القَلبيةَ بِداخلي ، دخلَ قَريتنا بعضَ المُحتلونَ و لكنَ مخططهمْ فشل ، و لكنَ من سُوء حظي البيتَ الوَحيد الذي دخلوهُ كانَ بيتنا ، كنا نرتشفُ الشايَ معاً ، دُقَ البابُ بشدةٍ ، كانَ أبي يحب السكرَ كثيراً فقالَ لأمي : " ضَعي ثلاثةََ مَلاعق من السكرِ لحين أرى مَنْ الطَارق " ، لكنَ أبي لم يعدْ ليغازلَ الشاي و يتغنى بهِ و يقولَ لي و هو يرتشفهُ : " أنتِ أغلى شيءٍ يا قرةَ عَيني في دنْياي أُحبُ في خصلاتِ شَعركِ معزوفةَ النَاي " ، ذَهَبَتْ أُمي لترى ما الأمَر ، رَأَتهُ ميتاً على بابِ بيتنا ، ماتتْ بقَلبِها و خُدِشَتْ روحها ، جُنَتْ بعدَ ذلك ، و بِعْتُ أنا البيت ، و أصبحَ هَمها هوَ أَن يَأكلَ جميعهم السكرَ قبلَ موتهمْ ، كي تُرضي أبي – حسبَ ظنِها - ، و عندما جئتُ إلى هُنا رَأيتها ، كنتُ أودُ أن أعيدها إلى صَوابها لكن لمْ أنجحْ هيَ لم تتذكرني ، صَدقيني شعرتُ بكلِ شيءٍ جميلٍ معكِ لكنني كنتُ أحتاجُ إلى أم ، إلى أب ، إلى أخ ، إلى بيتٍ و حتى إلى سكر ! ، و إلى نَفسي المتشَردةِ بينَ المَكانِ و المَكانِ ، و ها أنا ذا سأموتُ و سأتحولُ إلى سكرٍ . "

أَمْطَرتْ عيناي دُمُوعاً مُعَذَبَة و قٌلْتُ :

" أنتِ أَعزُ صَدِيقَةٍ بِالنسبةِ لي ، و مِنَ المُفْتَرضِ أن أكونَ أنا لكِ كذلك ، لماذا لمْ تُخبريني بِهذا من قَبْل ؟ "

صًرختْ : " كانَ لاُمي صديقةً غاليةً على قلبِها كَمَا أنتِ لي ، لكنها لمْ تحاولَ أن تساعدَ أمي للعودةِ إلى الرشدِ ، بل ساعَدتها على الجُنُونِ ، أعْطَتها طرقَ صنعِ تماثيلِ السكرِ ، فأصْبَحتْ اُمي بائعةَ السكر ، بل بالأحرَى قَاتِلة "

و فَجأةً تحركَ الظلُ الذي كانَ خلفها و بَدَأَتْ روحُ سارة بالذَهَابِ إلى السماءِ ، لَقَطُتها بين ذراعيّ بكلِ لطفٍ و دُموعي غَمرَتْ المكانَ . رددَتْ سارة : " لن أتحولَ إلى سكرٍ فأنا سأموتُ بين يديّ صديقتي التي أُحبها ، لن أتحولَ إلى سكرٍ فأنا سأموتُ بين يديّ صديقتي التي أُحبها ، لن أتحولَ إلى سكرٍ فأنا سأموتُ بين يديّ صديقتي التي أُحبها "

و ذَهبتْ الروحُ المُقَدسةُ إلى رَبِها .. ماتت سارة صرختُ بِأعلى صوت : " سارة ... سارة .. سارة " ، و تدرجَ ارتفاعُ الصَوتِ و اندثرَ باندثارِ القمرِ ليلةَ بَدْرِهِ ..

دُفِنَتْ في بيتِ صداقتنا ، ودعْتُها بحبٍ تعمُ رائِحَتُهُ حَصى دَفاتِرَ أشْعَاري ، و صلاةِ صداقةِ العُمرِ ، و ذَهَبتُ إلى بائعةِ السكرِ و أنا أحْمِلُ قدماي خشيةَ الوقوعِ ، و عندما رأتني ضَحِكَتْ كالشَيطان قائلةً قَبْلَ أن أتكَلم : " هل صدقتِ قصةَ موتِ الناسِ بالسكرِ أيتها الحَمقاء ، كل ما أَرَدتهُ هو نشرُ إشاعةٍ بِذلك و قِطعةُ سمٍ في السكرِ الذي أكلتهُ سارة عِندي ، ههه حتى لا يُصَدِقَكِ الناسُ يا غَبية "

قلتُ لها : " و مَا الذي استفدتيه مِن قَتلِ زحفِ الربيعِ يا عَديمة الرَحمَةِ "

قالتْ بكلِ ثقةٍ و حُزن : " سَعادةُ سارة "

ضحكتُ حزناً : " سعادةُ سارة ! ، لا بد مِن أنكِ مجنونة ! "

قالتْ : " لقد كانتْ الأغلى لأبيها في هذهِ الدُنيا ، لَقد أسْعَدتهُمَا مَعاً لَقد بَعَثتُ لهُ سارة "

بَصَقتُ عليها بِنَظرةٍ تَملؤها القاذورات و قلت : " سارة و أباها سيذهبانِ إلى النعيمِ أما أنتِ فاذهبِ إلى الجحيمِ "

ثم أدرتُ ظهري و مَشَيتُ خطوتين ثم قُلتُ : " هل تعْرِفين ؟ "

أجابتْ بنفسِ الثقةِ و الغرور و كَأنَ شيئاً ما لم يكن قَدْ أَثَرَ فيها : " لا ، ههه و لكن تَهمَني المعرفة "

قلتُ بكلِ قهرٍ : " لستُ من قلةٍ يا لعينةَ أكره السكرَ " .

الاثنين، 20 يونيو 2011

نكهات في جوف القزحية



ترزأ من روحي فن الدعابة ، بحبل غسيلٍ من دار جارنا اللاموجود ،

و تنسكبُ الأحلامُ في الطريق بين البيتين ، خرجنا أنا و هو نجمع القطرات و نتعارك مع بعضنا في متاهة الهواء ،

في إحدى الاستراحات امتنعت عن الكحل الجميل ، و بقيت عيناي صافيتان دون مساحيق ..

و عند آخر قطرة التقت الأعين ..

نظرت إلى ذلك الوجه الذي لم أراه من قبل ، أصبح يتحول إلى أنا !

كانت القزحية تحتوي العديد من النكهات في جوفها .

الأحد، 12 يونيو 2011

شعب الدراويش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أخذنا بتعكير الهذيان أمام البؤبؤ الملعون في قناع الليلة !

لا ندري لما نرتدي التوت الأرضي في أفراحنا ، و كأنه يضيف لنا ملحاً على وجهنا المرتعش لابتعادنا عن اللوم

نضيف إلى النثر ألحاناً ثائرة و نموت تائهين في الفراغ .

كالطرب كانت أصبوحة بائعي العنبر ، بل كسلالة قرمزية .

العناء البارد ليس كالزيتون بل كاللوز هرس كل مقاييس الذاكرة القلبية .

أصبحت هذه السمراء الشرقية كالعدوى تحت عنوان :

" شعب الدراويش " .

السبت، 5 مارس 2011

مطر ثائر على غيمته !





في ليلةٍ من ليالي كانون ، جلست أنا و العجوز قرب المدفأة ، و أخذنا نأكل الحلوى

كانت موسيقانا في تلك الليلةِ هو : " تناغم زخات المطر مع صوت اشتعال النار "

اقتربنا أكثر من الآمال و كل الدفء ..

و ألقينا نظرة على أحضان الأمِ ، و ازدادت " اللوعة "

دمعة السطح أكلت روعة التفاح الأخضر ، و الحلوى تحولت إلى لا شيء !

و مريمية الشاي الدافئ أخذت بالذوبان

جميلٌ ما نقدر بهِ أنفسنا

أرجوكَ أيها الجفاف لا تعانق الزعفران ، و لا تدع الأفعى تلدغ ثنايا الورقِ عند تفتح الربيع !

فقد حرم الطفل من الغطاء ، و نام في العراء بلا أمٍ دافئة !

و هناكَ شيئاً من العشق تدحرج أمام طرقات الزخرفة ، و لقطه الالتواء الأعمى أمام اللوحة

سبب العطاء الأرجواني هو انعكاس اللون الأبيض ، لكل شيء أصل و للوطن جذور ..

سيمفونية الغذاء أعددنا أنفسنا لعزفها أسابيع ، و جلا لنا القدر بسيقان ملونة ..

طويت الورقة هنا , و انطفأت شعلة المدفأةِ ..

سألني العجوز : " أين وصلتي ؟ "

قلت له : " لا أعلم ، فالعبرة بسكون القلم بأنه غاب أصل العاطفة ، و الحنين أصبحَ عدوانياً لومضة ، و الشعلة أصبحت منارة للأوغاد ، و المجد قد ذهب من هنا ، و لا وطن يذكر ، و لا جمعة أحباب تشفي لوعة القلب الذي حرق من غيابهم ، فقد تركوه كالأقاح الذابل ، و دفنوا بقايا منعمة بالحب بداخلي ، و رسموا ضحكتهم و وعدوا نفسي باللقاء ، لم تخبرني أيها العجوز أين أنت قد وصلت ؟ "

قال : " إلى حيث مزرعتي ، قمحي ، حصادي ، و سمائي ، و مائي ، لا يهم فالمهم هو بقاء الأمل في القلوب ، ربما لسنا الأكثر سعادة ، لكننا الأكثر جرأة في تحدي ثغرات سلال البرتقال ، هل تودين شرب الشاي ؟ "

قلت له : " لماذا قطعت تلك الكلمات ؟ ، سأشرب الشاي البارحة ! "

في أعماقي كنت متيقنة من أنني سأدخل في حربٍ كلامية ، كنت أود أن يكمل حديثه عن سلال البرتقال ،

لكنني استغربت حينما وضع أمامي كوب شاي غير ممتلئ تماماً و قال :

" أرى أنكِ لم تنتهي بعد من شرب الشاي منذ البارحة ، هل أنتِ كالسلحفاة في شرب الشاي ؟ "

فهمت قصده .. سأنتظر لحين يأتي الموعد لكنني ثائرة !


الأربعاء، 2 فبراير 2011

ابْنَةُ الشَحَاذِ




على خشبةِ المسرحْ

كانَت الستائرُ تُسدَلُ بِبطءٍ شَديدْ

و أَنا وَراءَها عازِفةُ البيانو المشهورة

كانت سيمفونيةُ " كلاسيكيةُ الألحانْ "

هي ما عَزْفتُهُ في حفلةِ رأسِ السنةِ تلك ...

خرَجتُ منَ المسرح

هنا كانت الأضواءُ تلتقطُ لي صُوراً

باقاتُ الورودِ تُقدَّم لي كشلالٍ من العذوبة

و طلباتُ توقيعٍ غَمَرتني

راضيتُ جُمْهوري بابتساماتٍ و تنفيذِ طلباتٍ و اسْتنشاقِ رحيقِ الأزهارِ و تَقبُّل الهدايا

ثم نظرتُ إلى الساعةِ وَجَدتها ما زالت السابعة

فقررت المشي بما أن ميعادَ سهرةِ الأصدقاءِ الساعةَ العاشرة

مشيتُ مسافةً قَصيرة

حتى رأيتُ شحاذاً يجلسُ على رصيفِ الطريق

ابتسمتُ في وجهه و أعطيته قليلاً من المالِ و وردةً

لإدخالِ فرحةِ السنةِ الجديدة على روحِهِ المعطرةِ بصعوبةِ الحياة

...

صفعني بنظرةٍ مَهدت لي التفرس بدقةٍ في ملامحه المرسومة كبرودة الجو ....

مشيت ببطءٍ شديد

و نظرت إلى أضواءِ المدينة

وإلى ثلوجِها

و إلى أروقتِها المنحوتة

و إلى زواياها المقطوفة

وإلى تراكيبِ احتفالِها

و ادخارِ تاريخها

و ذاكرةِ خيطانها

حتى لاحظت بأن الشحاذَ ما زال يمشي ورائي

فتهت في رعشتي ، و تمتمت صلواتي خوفاً

يا تُرى ماذا يريد ؟

لماذا يمشي ورائي ؟

حينها حوافُ جسدي ملأتها قشعريرة ملعونة

قررتُ الجريَ

لكنه لحقني يجري

...

تعمقتُ في جنوني لعلي أجدُ شاطئاً أو جزيرةً عتيقةً أُرْسي قَواعدي عليها ...

تَعَثرتْ قَدماي

وتمزقَ الحذاءُ فخَلَعتْهُ وَهَرَبَت

واختبأتُ في الزاوية

دُهِشْتُ حينما رأيتُ وقتها الشحاذَ بفرحةِ العيدِ يأخذُ حذائي ويمشي .. به وكأنه حلوى العيد

من فضولي مشيتُ وراءه

حتى وصلَ إلى كوخٍ قديم زينتهُ ضحكاتُه الحزينة الذي من المرض والجوع قد أكل نفسه

تابعت المراقبة

ولحقتهُ إلى السلَم

قبلَ إكمالِ الجاسوسيةِ كان عليّ تقويمُ قدماي مِن رجفةٍ لا أعلمُ إن كانت من البردِ أو من صاعقةِ الإنسانية

دخل إلى شقتِهِ..

" استخدمتُ شقهً مُبالغةً "

على أيةِ حالٍ ، تسللتُ وراءه من غيرِ درايةٍ منه

حينها وضعَ الحذاءَ وجَلسَ أمامَ موقدِ الحطبِ

شعرتُ بالطمأنينةِ لأنني تأكدتُّ من أنه ضعيفٌ

وحينها سألتُه منفجرةً بالفضولِ ...

" من أنت ؟.ولماذا عبثتَ معي ؟ "

ولماذا سرقتَ حذائي ؟

فأجاباني كقبيلةِ ديدانِ القزِ المكومةِ في عُشبةٍ :

" أنتَ عليكَ أن تعزفي البيانو وأن تفرحي بالسنةِ الجديدةِ وأنا علي أن أُقهرَ بسبب ضياعِ حذاءِ ابنتي ويا ليت القصة كلها بالحذاء ..

فأنت تعطرين الليل بموسيقاك وشعرك وعيناك وعزفك وحبك للبشر .. "

صرخت في وجهه برقة طاغية:

" أجُننتَ يا هذا ؟ "

لَمْ يبالي بكلمتي تلك وتابع حديثَه :

" أنت تشبهين ابنتي كثيراً التي تعاني من مرضٍ مزمن لكنني على ثقةٍ بأنها ستُعافى .

كانت مثلك عازفةَ بيانو وفي مثلِ هذهِ الليلةِ كانت تعزفُ في حفلةِ رأسِ السنةِ كنت انتظرُها لتحضيرِ المائدة لِنلتقطَ بالعامِ الجديد معاً

لكنها عادَتْ مريضةً رَجِعَت بكلِ ما ذَهبتْ بِهِ عدا حذائها وها هي بالغرفةِ منذُ خمسِ سنواتٍ ومنذ تِلكَ المدة وأنا أحاول كل ليلة كهذه أن أخلعك حذائك حتى أعطيه لابنتي كي تعافى "

سألته فورا : " ما هذا المرض؟وهل حاولتَ علاجه ؟ "

قال لي : " أنه مرضٌ مزمنٌ لا اعرفُ ما هو، أحضرتُ لها العديدَ من الأطباءِ لكنهم قالوا لي ، تعالج أنتَ حينها ستُعَالجُ هيَ

لكن جاري الذي توفيّ السنةَ الماضيةَ أعطيته كلَّ مالي حتى يُخبرني على سرٍ قالَ لي يجعلُها على قيدِ الحياةِ فوَضَعَ عليها مادةً ما "

حينها صَمَتْ ، فذهبتُ لكي أرى ابنتَه هذهِ

وهُنا شَعرتُ بِمَدى جُنونِ قَلبِ الشحاذِ الرقيقِ ذي الجدران المرهفةِ والأغطيةِ المُرَقعةِ والسذاجةِ المتوهجة ،

إنه حتماً يعيشُ في مسرحيةٍ ما

يظن أنّ ابنتَه مريضة و هي في الحقيقة ميتة محنطة!

تشبهُ الموناليزا في عنايةِ وصفِها ولوحاتِ بيكاسو في جودتها

وراقصاتُ الباليه في رشاقتها

تراجعت وأخذت من الشحاذ الحذاء، و ألبستها إياه

تحسست قدماها وأنا البسها كانتا كلوحِ زجاجٍ مزخرفْ

جلس أباها وقبلها وهمس في أذنها : بقي أن ترجعي لي

قلت له : لا تزعجها ! هيا لنخرجَ من الغرفة .

دعاني لكي اجلسَ لنحتفل بالعام الجديد معاً

فقَبِلت .

تحدثنا كثيراً

اقتبسُ أهم نقطةٍ من الحديث:

الشحاذ: زوريني .

أنا: سأزورك كل رأس سنة ، وأنصحك بأن تتعالج أو افعل ما تشاء والآن إلى اللقاء.

وها أنا الآن عائدة إلى منزلي وكل ما أفكر فيه هو " أن الحياة لم تبقي لنا شيئاً سوى أشعار البؤس الممزقة ..

لكنها مصرة على إن تبقي عنوانها علو جمال القدر" .