الخميس، 25 أغسطس 2011

الأمُ الأُخرى












هذا كان نتاج إحدى الأنشطة في أيام أدبية 2011، حيثُ كان علينا أن نكتب قصة عن مشهد وصفوه

الأُمُ الاُخرى ...

همساتٌ في النهار تقول : " أشعر بأن الطفل الذي سيولد قد يموت ! "

الرد : " عزيزتي لا تقلقي، سيكون كل شيء جيداً "

همسةٌ أخرى : " كيف سنعيش أنا و أنت بعد موت الطفل "

صمت ..

في الليل ..

معركةٌ إنسانية ، الجو ماطرٌ عاصفٌ ، عشبٌ يجفُ من الحريقِ، صوتٌ حريريٌ يرتفع بحنجرةٍ تبتكرُ الآهات، آتى الطلقُ لامرأةٍ في ليلةٍ يرعاها الجحيمُ، تصارعها ريحٌ حزينة تدخلُ من اللاشباك بعنفٍ، يقفُ بجانبها رجلٌ بظهرٍ مقوس، في وجههِ ذاكرةٌ عميقة توحي بأنهُ كان فاشلاً في حظِ الحياة، جفونه غارقة في صبغةِ العرقِ،

أخذَ الوليدُ أنفاسهُ بينما أمهُ كانتْ تتجرعُ عصيرَ الموتِ بآخر أنفاسها،

حدقَ الشيخُ في الوليد !

فكر : " هذا ابني الذي يصغرني خمسٌ و خمسينَ سنة ! "

حدقَ فيه أكثر لا يدري ما يفعل، فعلاً فكلُ ما في الأمرِ أن هناكَ امرأةٌ في الثلاثين من عمرها ماتت تاركةً بقربها طفلاً رضيعاً، و الأب رجلٌ عجوزٌ هرم لا يستطيع فعلَ أي شيء،

و يغطي هذا الينبوع الحزين كوخ خشبيّ كبير السن عديم الصحةِ، و الفضاءُ المحيط " غابةٌ لا يرتادها الصيادون إلا ظهراً "

سالت حبتا عجزٍ على وجنتي العجوز ..

و معهُ بكى الوليد، بكى بكاءً جميلاً حزيناً، لو عزفه بيتهوفن لتمجد ! لكن للأسف من عَزفهُ شخصٌ بائس

العجوز مازال عاجزاً أمام الطفل، الذي لمعتهُ الحياة بمنخلِ التعبِ على أن يشبه أمه،

قتلت الحياةُ نور العجوز، و رمتهُ وراء الليل الذي ليس لهُ نهاية،

العجوز انفجر، أراد أن يبقي هذا الطفل على قيدِ الحياة، حمله و أخذ يركض بهِ إلى النور الذي يشعُ من المدينةِ،

العاصفةُ مقطوعةٌ صاخبةٌ، و مع ذلك أخذ يجري بهِ من نهرٍ عتيقٍ إلى بحيرةٍ أجدد و رملُ الأمل يجري معهما،

يركضُ و يأمل بأن يجدَ لهُ أماً، مالاً، شراباً، طعاماً، حتى أنهُ لم يكن يدري ما يريد !

بدأ العجوز يتعب و يرى الدنيا ظلاماً دامساً، ارتمى رميةَ الموتى همسَ شيئاً في أذن الطفل،

ثم ابتسم شكراً للحياة.. و قبلها بنظرةِ الوداع،

في اليوم الثاني كانَ الجو ربيعياً ، وجد أحد المارين بالغابة الطفل و أخذه و رباه كأحدِ أولاده،

كانت الأسرة التي تربى فيها الطفل جيدةَ الحال، كان يظنهم أهله كما من المفترضِ أن يفهم،

لكنهُ كانَ حزيناً، حزيناً في كل شيء لا يدري من أي باب عليهِ أن يدخل البسمة،

حتى أن روايتهُ المفضلة كانت : " أوليفر تويست "

و كأنهُ يرتبطُ روحانياً ببؤسِ والديهِ الحقيقيين !

جلسَ يوماً ينظرُ إلى شلالٍ من الماء، و أخذَ يتذكر عبارةً تسببُ حزنه :

" يا بني، من أي عطشٍ ولدت، لا تجعل هذهِ الليلة البائسة الأم الأخرى لك "

لكنَ هذا الطفل كان يملكُ حزناً غريباً أسطورياً ترقى إلى مرتبةِ الحقيقةِ،

يبدو بأن تلكَ الليلة هي الأم الأخرى له ..

النهاية ...

الأحد، 21 أغسطس 2011

يا ليلي













يا ليلي أعرني من لوز أسرارك زيتاً لفرنِ حارتي، ذلكَ الفرن الذي حرقَ كعكَ اللقاءِ الأولِ

يا ليلي القمر ليس عالياً اليوم ، فما القصة ؟ هذا الصفير المجهول يجعلني عاجزةً عن قراءةِ أفكاري نفسها

يا ليلي يا تاجر أسرار الأبديةِ، يا مخبأَ الأنفس الباكية هناكَ ثمة رائحة مألوفة، أهي خاتمة القصيدةِ التي كتبتها نجماتُ قاموسِ السماءِ – ألا تدري بأن السماء لغة !

يا ليلي أسدل ستائرك و أنهي المشهد المسرحي الذي أنا البطلة فيه، لكن أخبرني أولاً من أي باب عليّ أن أدخلَ الكواليس ؟

يا ليلي يبقى لنا أملاً في سلالةِ تذكرنا فنقفُ قربَ النافذةِ و نحلمُ بذلكَ، يقطعنا صوتٌ خشن : " هل نظفتم إسطبلات الخيلِ ؟ " ، قلتُ لكَ اقتلني و أنهي الأمر .. هيا افعل ذلكَ

يا ليلي يا ليلَ لوحاتِ الابتسامات الساهرةِ على قهوةٍ و معركةٍ دماغيةٍ غريبةٍ، يا ليلي تعرفُ كم أشعرُ بالغيرةِ حينما يسهرُ فيكَ أحدٌ غيري، اسكبْ عليهم نحتَ النعاسِ، و دعني أكَسِبُكَ رضاي

يا ليلي يا ليلَ أوتارِ الفضاءِ المجنون افرد عليّ نسماتكَ التي لا تعد، أحان وقتُ بوحِ الغزلِ

يا ليلي لم أنكر بأنكَ تستطيعَ جمعَ آثارَ أقدامي عندما أمشي في مدينتي، لكن ما لم أفهمهُ بعد هو أنكَ كيف جمعتَ آثارَ أقدامي عندما مشيتُ في خيالي، يا لكَ من عجيب !

يا ليلي رذاذُ عطركَ تدفقَ في حارتي و أيقظَ الجميع ، و قامَ بإحداثِ ضجةٍ خرافيةٍ أثارت رقصة الأنوف ، هل تسمحَ لي بأن أقولَ لك بأنكَ تنشفُ رعبي ، لا أعلم إن كانت عمليةَ التنشيف هذهِ تقضي عليه أم تجعلهُ ثائراً

يا ليلي لما تركتَ الفلاسفةَ يسكبون الفلسفةَ على قبرِ سقراط، أم هذهِ مؤامرة بريئة نافرة ؟، جوعُ المعرفةِ يبني لحيةً تخضلُ بالأمنياتِ

يا ليلي الخيالُ يغزلُ الخيالَ نحنُ لا نفطنُ بأننا كلنا محاورٌ لهذا العالم، و لا نعرفهم جميعاً و لا نعرف من يولد كل دقيقةٍ، لكن المحاور التي نعرفها جيداً هي محاورُ عالم خيالنا .. ربما هو عالمنا المفضل، مع أن البعض لا يملكونَ هذا العالم البريء .

يا ليلي يا روح الهدوء البائس، يا روح الأنفس التي تهربُ إلى السكون الكبير، صبَ من فضلكَ حبكَ الدافئ في بردِ قلبي يا بطلَ الارتدادِ الذي أنحازُ إليهِ

يا ليلي يا ليلَ الناياتِ الوردية، ذات النغماتِ المنظمةِ الفوضوية، ٍ زرعتَ أحلامها في داري و أخذتَ بدالها كوابيس العقل المنهار

يا مزاجي العبقري الليلي سأصابُ بالجنونِ من بعدكَ أتبادلُ التهم مع نفسي يا ليلي، إن كنتُ أحبكَ لأنكَ ليلٌ أم لأنكَ ليلُ وطني ؟