الأحد، 16 سبتمبر 2012

خربشات نار أخرى

      (1)  
  إلى مجهول : 

ما يتراكم على جدار قلبي يشبه الورق، كثيراً ما سقطنا كندى على الورد، كثيراً ما غفينا، حلمنا، صلينا، قليلاً ما افترقنا.
ما عاد للصمت قشرة ولع تؤنسه، تؤرقه، من أين أتينا بكل هذا البؤس ؟
هل صادفتك مرة قبل لقاءنا الأول؛ لأنني زينتك كما فرحة معهودة،
 قل لي هل القلوب المحايدة تلك هي التي تدعوك حقيقة ؟ هي التي سافرت إلى جمهوريتي بلا أمتعة، حقائب، تأشيرة دخول .
سأسألك أخيراً، من أنت ؟


(2) إلى سبب الأرق : 

لا نختلف عنهم، سوى أننا نبدو قليلاً كما شعلة ريح، أرانا أضعنا عامين في النعاس، بينما أراهم قد احترفوا الأحلام، يا عمر ولدَ من الوجعِ، هل زادت أيامك بعدّك لكرسي شيخ البحر ؟
خفتهُ كثيراً، لا لا، لا أعني شيخ البحر، بل وجعك و الأحلام.
أظنني أعاني من الأرق كثيراً، أشرب كثيراً من الأعشاب، أقيم حفلة سكون، أراقب الموتى يحاصرون بصمت، لكني أنسى صورتك تحت وسادتي، فتغلبني الصحوة، مزقت الصورة لكنني أصبحت أرى نفسي كثيراً في الكوابيس .

 (3) 
إلى قصيدة، و جارة، و هو:
ندغدغ صفحة القصيدة، كما بسمة سقطت عن شفاه جنازة، كل العواصم تسقط، و لكن قريتي لا تزال تنتظر أن يجف حبل الغسيل المعلق على حبل سطحها – الذي يعتبر سطحنا أيضاً حيث أن المسافة بينهما لا تتعدى بعض السنتيمترات،
كل خريف يهبُ الريح، يجفف قليلاً من الملابس، يتجسس على سطحنا، يطيّر ريش الحمام، يصفعني كما دمية و ينتهي، فيرحل.
مرت أعوام،
الغسيل مازال معلق، و جارتنا تحضر العشاء لزوجها
و أنا أنتظر أن تكف أنت و القصيدة عن الضحك !


    (4)
 إلى أمي، أو إلى قلب ::::
أبحثُ عن شيء ما؛ ليصفعني كما فطائرك اللذيذة أمي، هلا قدمتِ لي الحياة لأخطو على المقبرة كما مراهقة واثقة من قصة شعرها الأخيرة.
أزعجني الظل، أحدهم قد نحتي وجهي يا أمي، مع أنني خبأتهُ في عيناكِ !
يا أمي ارشقيني بالعنبر لعلني أتصالح مع قلبي قليلاً،  أينما ذهبت تبقى عيناي تثير الجميع، و تكون محطة إلهام لكتابة نص ما .
لحسن حظ الخرافات أنني كنت أشرب المانجو حينها، و نسيتُ موعد المقهى للحديث حول دور البطولة .


 (5) إلى ليلي :
الليل، ليل ليلى و المجنون،  لكن أختي الصغيرة – التي لم تولد بعد – قلبت مجرى الأغنية؛ لتجعله هو الليل و أنا المجنونة.
يا قصة تولد من جديد، هل كنا صغاراً عندما تركنا الهوى نحن و قدر ؟
يا قمر، هلا أعرتني نسخة أخرى من الليل، لعلني أمارس معه مهنة الاحتراف بصمت، فأرتاح.
البارحة كان يومي بلا ليل، لأنني لم أكن ناعسة .


الأربعاء، 29 أغسطس 2012

رفقة السلام


(1)
أربكتني آخر انحناءة  لها، كانت كنسمة باردة تضيع بين حنايا الياسمين، كانت في غرفتها، و أنا أتلصص عليها من المسافة القليلة التي تركتها مفتوحة من الباب، رأيتها تتيه في وجهها المنعكس في تفاصيل المرآة، بعد قليل وقفت بجانب الشرفة بطريقة مجعدة، بعد بضع ثوان لم تستطع عيناي التقاطها، لكنني سمعت صوت ارتطام شيء ما بالأرض ذكرني بصوت منطاد سقط من علو شاهق في إحدى مهرجانات المدينة .
بعد ذلك لم أتذكر ما حدث عدا أنني استيقظت من النوم فزعة،
فكل ما في الأمر عملية " انتحار" .

(2)
يا صديقتي هل تتذكرين عندما كان على ناصية الطريق المؤدي إلى باب مدرستنا القديمة " بائع بوظة "، كنا نذهب لنشتريها بثوب الضفادع – ثوب مدرستي القديمة- معبئين بكثير من المشاغبة، كنا نمشي بطريقة مضحكة كما رأينا بينكيو يفعل في إحدى أفلام الكرتون، كنا نتمنى لو أن الكمية التي نشتريها بلا نهاية، كنا نتسخ دائماً، الفم فالأيدي فالثوب .
أتتذكرين كيف كان يتقاطر من البوظة الكثير على الأرض ؟
 أتتذكرين آخر بقعة كم كانت كبيرة ؟
البارحة يا صديقتي كنت أمشي مصادفة في ذاك الشارع، البقعة قد جفت تماماُ،
لكن لا أدري من جف أكثر، بقعة البوظة، أم الحب في قلبينا ؟

(3)
أشتاقك دوماً، كما الماء البارد في زمن العطشى، دائماً أتشاجر معك حتى أنني بتُ لا أتذكر متى آخر مرة ساد الصفاء بيننا قليلاً  !
في غيابك الأخير طفح الكيل من أفعالك، لدرجة أنني لم أكن أدري ماذا سأفعل حين اللقاء !
هل أصفعك لأنهي حساباتي معكِ ؟ أم أرقص معكِ بمناسبة عرس لقاءنا بعد الغياب ؟
دمتِ من أود صفعها و الرقص معها دوماً .

(4)
لا تتكلمين عن الموت  في قصائدك، و كأنك تخافين أن تقتلك حياة النص !
تدافعين عن الفصيلة الجديدة من جحود المنفى، و كأن الحرية المصباح الحياة و ليست ظلها !
وجعي أصبح يلهمك جداً، و لكن آه المواويل المصابة بالترح تكرهني !
ولدت قصيدتنا من جديد، فأعلنوا الدموع و لا تخشوا المكيدة .

الأحد، 22 يوليو 2012

مشاهد من مدينة


(1)
المشهد الأول :  كعب امرأة …
كانت أشعة الشمس الرومانية تخترق حواف الأسطورة بوقعٍ رتيبٍ، و تنعكس في عيني الراحل كخربشات، إذا جمعت ستكون لمن فطن المعرفةَ صورةَ امرأةٍ إغريقيةَ الجمالِ، أذابت مفتاح النهر الرخامي في كحلها الرصين، في آخر مرة كانت قد رأت فيها شجرة السرو، كانت ترتدي قبعةً مغطاةً بالفرو الذهبي و تتبخترُ على الجسر بكبرياء فكُسرَ كعبُ حذاءها الجلدي، فتركت جمالها لقاموس الراحلين و لم تعد لمدينة العراقيل مرة أخرى.

(2)
المشهد الثاني : الصبيُّ و القروش الثلاثة ...
كان طفلًا صغيرًا، يمتلك أنصافَ الأسرارِ، بريئًا جدًا، جلس القرفصاء على سجادةِ صالةِ البيتِ الهرمة، و عندما عاد والده للمنزل؛ قفزَ على أحضانهِ كأرنبِ بلاد العجائب، أخبره بأنه يود ثلاثة قروشٍ؛ لشراءِ لعبةٍ أحبها لمحها عند أحد الباعةِ و هو عائدُ من مدرسته، فأجاب والده بأنه نشر القروشَ على السطحِ و طلب منه الانتظار حتى تجف ليأخذها، لكن بعد بضعةِ أيامٍ تركوا المنزلَ بحجة الوالد، التي تقول:" التضحية يا بني"، و عند انتقالهم للبيتِ الجديدِ القديمِ، كان الصبي غاضبًا جدًا من والده، ليس لأنه أحضرهم إلى بيتٍ قبيحٍ،و لا لأنه منعه من إحضارِ جميعِ ملابسهِ، و لا لأنه أعطى الكثير من أثاثِ منزلهم السابق لرجل سيء المنظر مقابل القليل من المال، بل لأنه ترك القروش الثلاثة معلقةً على سطح المنزل و لم يعطه إياهم.

(3)
المشهد الثالث: حُلِي العروس
كانت فرحة جدًا في سهرتها التي قبل العرس، تراقصت الفتيات الحسناوات من حولها، زرعن في قلبها شمسَ البيتِ الجديدِ الذي كانت ستعانقه غدًا، كن يتمايلن وجهة الناي على أغنية الغياب، أخذنها لتشاركهم اللوحة أحيانًا، و لكنها حرصت ألا تتعب نفسها.
في الصباح كانت تضع طوقًا من الياسمين على شعرها المنسدل، كانت جميلة جدًا بالأبيض، كانت تشبه شيئًا ما، ربما ندى...، و ضعت قليلًا من المساحيق، لبست حذاءها، لكنها اكتشفت بعد ذلك أن أحدهم سرق حُلِيها!
لم تنزعج لأنها أمضت ليلة زفافها بلا ذهب، بل لأن في الليلة نفسها كان هناك فتاة أخرى على الضفة الغربية من المدينة، تزف إلى عريسها مرتدية الحلي المسروقة.


(4)
المشهد الرابع :
قفصُ حمامٍ ...
لخصَ الذكرياتِ بوردٍ أبيضِ اللونِ، و لكنه لم يتذكر الغناءَ أبداً!، خوفاً من انقلابِ الأحداثِ إلى جمهورٍ لا يعرفُ الرحمة، فترك الأرواحَ تمارس الصمت مع السماءِ كما تشاء، فالكمنجةُ  تداعبُ أناملَ الريحِ دوماً قبيل العصرِ بقليل، و العصر لا يفك أسر الحمام مرتين .


(5)
المشهد الخامس :
هي و هو ..
انعكست الرصافةُ  بداخلها كثيرًا، لكنها كانت على وشك الاختناق، نفضت كل الأرائك، و ساعدت العنكبوتَ على بناء بيتٍ له في زوايا بيتها المظلم، و من ثم قامت بتحضيرِ بطاقاتٍ مزينةٍ لدعوة قبيلة العناكب لافتتاح المنزل الجديد. 
أما هو عاد ليكلم الجدار ذاته، كم من الأفواه يحتاج من عالم الثرثرة ليتكلم كلَّ هذا الكلام!
أصيبت اللغة بمرض الغيظ، و انتظر هو القدر ليكتم أنفاس ريحانه، و ليطرق جرس بيت العناكب الجديد .

(6)
المشهد السادس: رسالةٌ من مراهقةٍ إلى المدينة
يا  مدينة، ليس أصلي منكِ، أشعر كأنني رضيعٌ لم يذق حليب أمه، فضله جوعهُ إليك،
 إلى حليبكِ، إلى حبكِ، فيا لتعاسته كم سيشقى!
حبُك يعني أن يكون هناك فتاةٌ شرقيةٌ الجمالِ و النكهةِ لها غمازاتٌ في كلتا وجنتيها و صفاتها كتلك التي تُذكر في الأغاني اللبنانية، وليدة توأمٍ يدعى الوجع، و حبك يعني أن يحضرَ الجائعُ مجلسًا كل من فيه متأففون من الشبع.
أأنا منكِ أم أنتِ مني؟،  أمسيت أتمنى الموتَ كل يومٍ من السماءِ، و أطلبُ من عمريَ أن يختصر في ساعاته؛ كي لا أحيا يومًا آخر و أخدش نفسي بحبكِ أكثر.
القلب أضحى لا يخاف، أصبح يعلن حبَك عليّ كل حين، أنتِ لا تحيين بموتنا، بل بحياتنا تحيين.

(7)
المشهد السابع:  أنا و المدينة و الصوف ...
أخبرتها بأنني أمضيت طيلةَ عمري و أنا أغزلُ لها الصوف، و لكنها صفعتني بإجابةٍ، قالت لي فيها، بأنها لم تشعر بالدفءِ طيلةَ حياتها،و لكن عند الرحيل كان هناك غيمةٌ من صوفٍ تدفئُ بردَ الرحيلِ من المدينة .
(8)
المشهد الثامن: رئيس البلاد
كان رئيسُ البلادِ جالسًا يرى كل المشاهدِ السابقةِ مع بعضها البعض، يرى تفاصيلَ مدينةٍ في مشهدٍ مثير للبكاء، يراها دون أن يتنحى عن منصبه، أو يغيرَ الدستور، أو يسن قانونًا جديدًا يحكم بإعدامِ كل من يولد بحبِ تلك المدينة، أو يفرض منعَ التجوالِ، أو يعلن الحدادَ ثلاثةَ أيام!
بل أنه وقف فقط احترامًا لشهداءِ المدينة، و الأحياء منها، و محبيها، و لكل روحٍ مرت بها.